بسم الله الرحمن الرحيم
بدايه تهديد المغول :
سقوط دوله خوارزم شاة الإسلامية ؛
خوارزم هي مركز عائلة خوارزم شاه، وبها تجمع ضخم جداً من المسلمين، وحصونها من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة، وهي تقع الآن على الحدود بين أوزبكستان وتركمنستان، وتقع مباشرة على نهر جيحون، وكانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية واستراتيجية وسياسية كبيرة..
ولأهمية هذه البلدة فقد وجه إليها جنكيزخان أعظم جيوشه وأكبرها، وقد قام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة دون أن يستطيع فتحها، فطلبوا المدد من جنكيزخان، فأمدهم بخلق كثير، وزحفوا على البلد زحفاً متتابعاً، وضغطوا عليه من أكثر من موضع حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار، ثم دخلوا إلى المدينة، ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين، وفني من الفريقين عدد كبير جداً، إلا أن السيطرة الميدانية كانت للتتار، ثم تدفقت جموع جديدة من التتار على المدينة، وحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين، ودار القتل على أشده فيهم، وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار، فقام التتار بعمل بشع إذ قاموا بهدم سد ضخم كان مبنياً على نهر جيحون، وكان يمنع الماء عن المدينة، وبذلك أطلقوا الماء الغزير على خوارزم، فأغرق المدينة بكاملها.. ودخل الماء في كل السراديب والخنادق والديار، وتهدمت ديار المدينة بفعل الطوفان الهائل، ولم يسلم من المدينة أحد البتة!! فمن نجا من القتل قتل تحت الهدم أو أغرق بالماء، وأصبحت المدينة العظيمة خراباً، وتركها التتار وقد اختفت من على وجه الأرض وأصبح مكانها ماء نهر جيحون، ومن مر على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثراً لحياة سابقة.. وهذا لم يسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه، اللهم ما حدث مع قوم نوح، ونعوذ بالله من الخذلان بعد النصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وكانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في عام 617هـ !!
التتار يتوجهون إلى وسط وجنوب أفغانستان
بتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا على المناطق الشمالية ومناطق الوسط من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب إلى قريب من نهاية هذه الدولة (على حدود العراق)، ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم.. وجنوب دولة خوارزم كانت تحت سيطرة "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه"، وهو ابن الزعيم الخوارزمي الكبير محمد بن خوارزم، والذي فر منذ شهور قليلة أمام التتار.. وهرب إلى جزيرة ببحر قزوين حيث مات هناك..
وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين -زعيم الجنوب- يتخذ من مدينة "غزنة" مقراً له (مدينة غزنة في أفغانستان الآن، وتقع على بعد حوالي مائة وخمسين كم جنوب مدينة كابول، وهي مدينة حصينة تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية)..
ولما انتهى جنكيزخان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه" وأسقط دولته، بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها لقتال الابن "جلال الدين"، فوجه إلى "غزنة" جيشاً كثيفاً من التتار.. انظر خريطة الدولة الخوارزمية والغزو المغولي
معركة غزنة
كان جلال الدين قد جاءته أخبار الغزو المغولي الرهيب لمناطق الشمال والوسط من الدولة الخوارزمية، وبلغه ما حدث لأبيه، وكيف مات في جزيرة ببحر قزوين، وأصبح هو الآن الزعيم الشرعي للبلاد، ومن ثم عظمت مسئوليته جدًا, فبدأ يعد العدة لقتال التتار، وجمع جيشاً كبيراً من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه "سيف الدين بغراق", وكان شجاعاً مقداماً صاحب رأي ومكيدة في الحروب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضاً ستون ألفاً من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها، كما انضم إليه أيضاً "ملك خان" أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيزخان مدينته.. وبذلك بلغ جيش جلال الدين عدداً كبيراً، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى "بلق"، وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة.. وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار!..
دارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة.. وقاتل المسلمون قتال المستميت.. فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك لها، وكان لحمية المسلمين وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية للمنطقة، وكثرة أعداد المسلمين، وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، والقيادة الميدانية لجلال الدين... كان لكل ذلك أثر واضح في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار..
واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام..
ثم أنزل الله نصره على المسلمين.. وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين!! وكثر فيهم القتل، وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيزخان، والذي كان يتمركز في "الطالقان" في شمال شرق أفغانستان..
وارتفعت معنويات المسلمين جداً.. فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتي ثماره.. لقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين، مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم شاه، مع الفرقة التركية بقيادة "سيف الدين بغراق"، مع "ملك خان" أمير هراة.. واختار المسلمون مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة.. فكان النصر..
معركة كابل
اطمأن جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيزخان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر جنكيزخان بالقلق لأول مرة، فجهز جيشاً أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقى الجيشان في مدينة "كابول" الأفغانية..
ومدينة كابول مدينة إسلامية حصينة تحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان..
ودارت موقعة كابول الكبيرة.. وكان القتال عنيفاً جداً.. أشد ضراوة من موقعة غزنة.. وثبت المسلمون، وحققوا نصراً غالياً على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار.
وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسرى المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار، ولكن سبحان الله، بدلاً من أن تكون هذه نعمة على جيش المسلمين، أصبحت هذه الغنائم نقمة شديدة وهلكة محققة!!..
قعن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله :".. فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ. وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"[1].
الاختلاف في جيش جلال الدين
لقد كانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض الدنيا العضال، إلا ما رحم الله .. لقد كانت حروبهم حروبًا مادية قومية.. حروب مصالح وأهواء.. ولم تكن في سبيل الله.. لقد كان انتصارهم مرة وثانية لحب البقاء، والرغبة في الملك، والخوف من الأسر أو القتل.. فكانت لهم جولة أو جولتان.. لكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم..
لقد وقع المسلمون في الفتنة!!..
اختلف المسلمون على تقسيم الغنيمة!!..
قام "سيف الدين بغراق" أمير الترك، وقام أمير آخر هو "ملك خان" أمير مدينة هراة.. قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم.. فحدث الاختلاف.. وارتفعت الأصوات.. ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف!!..
نعم.. ارتفعت السيوف ليتقاتل المسلمون على تقسيم الغنيمة.. وجيوش التتار ما زالت تملأ معظم مدن المسلمين!!..
وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين.. وكان ممن سقط أخ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه الثلاثون ألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته!! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، وحاول جلال الدين أن يحل المشكلة، وأسرع إلى سيف الدين بغراق يرجوه أن يعود إلى صف المسلمين؛ فالمسلمون في حاجة إلى كل جندي وإلى كل طاقة وإلى كل رأي، فوق أن هذا الانسحاب سيؤثر على معنويات المجموعة الباقية؛ لأن الفرقة التركية كانت من أمهر فرق المسلمين.. ولكن سيف الدين بغراق أصر على الانسحاب، فاستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه إليه وذكره بالجهاد، وخوفه من الله تعالى.. لكن سيف الدين بغراق لم يتذكر وانسحب فعلاً بجيشه!!
المواجهة بين جنكيز خان وجلال الدين
انكسر جيش المسلمين انكساراً هائلاً.. لقد انكسر مادياً، وكذلك انكسر معنوياً!!..
ولم يفلح المسلمون في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في غزنة وكابول..
فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بني إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"[2].
لم يدرك المسلمون في هذه الآونة حقيقة الدنيا، وأنها دار استخلاف واختبار وامتحان، وليست دار قرار وبقاء وخلود.. نسي المسلمون امتحان ربهم، ولم يستعدوا له..
نسي المسلمون التحذير النبوي الخطير.. "فاتقوا الدنيا".. فسقط المسلمون سقطة هائلة..
وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيزخان بنفسه على رأس جيوشه ليرى هذا المسلم الذي انتصر عليه مرتين.. ودب الرعب والهلع في جيش المسلمين.. فقد قلت أعدادهم وتحطمت معنوياتهم.. ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جداً.. فماذا فعل؟!
لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيزخان، أو على الأقل لتجنب الحرب في هذه الظروف..
ولكن جنكيزخان كان مصراً على اللقاء فأسرع خلف جلال الدين!!..
وبدأ جلال الدين يفعل مثلما فعل أبوه من قبل..!! لقد بدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة متوجهاً إلى الجنوب، حتى وصل إلى حدود باكستان الآن فاخترقها، ثم تعمق أكثر حتى اخترق كل باكستان ووصل إلى نهر السند، الذي يفصل في ذلك الوقت بين باكستان وبين الهند.. فأراد جلال الدين أن يعبر بجيشه نهر السند ليفر إلى الهند، مع أن علاقاته مع ملوك الهند المسلمين لم تكن على ما يرام.. ولكنه وجد ذلك أفضل من لقاء جنكيزخان !!..
وعند نهر السند فوجئ جلال الدين وجيشه بعدم وجود السفن لنقلهم عبر النهر الواسع إلى الناحية الأخرى، فطلبوا سفناً من مكان بعيد، وبينما هم ينتظرون السفن إذ طلع عليهم جيش جنكيزخان !!..
ولم يكن هناك بد من القتال، فنهر السند من خلفهم، وجنكيزخان من أمامهم، ودارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة.. حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال.. واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة.. واستحر القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان، والذي كان قد تصارع من قبل مع سيف الدين بغراق على الغنائم.. وها هو لم يظفر من الدنيا بشيء، بل ها هي الدنيا قد قتلته، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة.. ولكن شتان بين من يموت وهو ناصر للمسلمين بكل طاقته، ومن يموت وقد تسبب بصراعه في فتنة أدت إلى هزيمةٍ مُرة..
وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، ويرتب أوراقه، ويضمد جراحه، ويعد عدته.. وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جداً جاءت السفن إلى نهر السند، ولم يضيع جلال الدين الوقت في تفكير طويل، بل أخذ القرار السريع الحاسم وهو: "الهروب!!.." وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة، ومعه خاصته ومقربوه، وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية من نهر السند..
مجهود الصديق احمد بركات لتاريخ وامجاد
بدايه تهديد المغول :
سقوط دوله خوارزم شاة الإسلامية ؛
خوارزم هي مركز عائلة خوارزم شاه، وبها تجمع ضخم جداً من المسلمين، وحصونها من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة، وهي تقع الآن على الحدود بين أوزبكستان وتركمنستان، وتقع مباشرة على نهر جيحون، وكانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية واستراتيجية وسياسية كبيرة..
ولأهمية هذه البلدة فقد وجه إليها جنكيزخان أعظم جيوشه وأكبرها، وقد قام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة دون أن يستطيع فتحها، فطلبوا المدد من جنكيزخان، فأمدهم بخلق كثير، وزحفوا على البلد زحفاً متتابعاً، وضغطوا عليه من أكثر من موضع حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار، ثم دخلوا إلى المدينة، ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين، وفني من الفريقين عدد كبير جداً، إلا أن السيطرة الميدانية كانت للتتار، ثم تدفقت جموع جديدة من التتار على المدينة، وحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين، ودار القتل على أشده فيهم، وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار، فقام التتار بعمل بشع إذ قاموا بهدم سد ضخم كان مبنياً على نهر جيحون، وكان يمنع الماء عن المدينة، وبذلك أطلقوا الماء الغزير على خوارزم، فأغرق المدينة بكاملها.. ودخل الماء في كل السراديب والخنادق والديار، وتهدمت ديار المدينة بفعل الطوفان الهائل، ولم يسلم من المدينة أحد البتة!! فمن نجا من القتل قتل تحت الهدم أو أغرق بالماء، وأصبحت المدينة العظيمة خراباً، وتركها التتار وقد اختفت من على وجه الأرض وأصبح مكانها ماء نهر جيحون، ومن مر على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثراً لحياة سابقة.. وهذا لم يسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه، اللهم ما حدث مع قوم نوح، ونعوذ بالله من الخذلان بعد النصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وكانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في عام 617هـ !!
التتار يتوجهون إلى وسط وجنوب أفغانستان
بتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا على المناطق الشمالية ومناطق الوسط من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب إلى قريب من نهاية هذه الدولة (على حدود العراق)، ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم.. وجنوب دولة خوارزم كانت تحت سيطرة "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه"، وهو ابن الزعيم الخوارزمي الكبير محمد بن خوارزم، والذي فر منذ شهور قليلة أمام التتار.. وهرب إلى جزيرة ببحر قزوين حيث مات هناك..
وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين -زعيم الجنوب- يتخذ من مدينة "غزنة" مقراً له (مدينة غزنة في أفغانستان الآن، وتقع على بعد حوالي مائة وخمسين كم جنوب مدينة كابول، وهي مدينة حصينة تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية)..
ولما انتهى جنكيزخان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه" وأسقط دولته، بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها لقتال الابن "جلال الدين"، فوجه إلى "غزنة" جيشاً كثيفاً من التتار.. انظر خريطة الدولة الخوارزمية والغزو المغولي
معركة غزنة
كان جلال الدين قد جاءته أخبار الغزو المغولي الرهيب لمناطق الشمال والوسط من الدولة الخوارزمية، وبلغه ما حدث لأبيه، وكيف مات في جزيرة ببحر قزوين، وأصبح هو الآن الزعيم الشرعي للبلاد، ومن ثم عظمت مسئوليته جدًا, فبدأ يعد العدة لقتال التتار، وجمع جيشاً كبيراً من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه "سيف الدين بغراق", وكان شجاعاً مقداماً صاحب رأي ومكيدة في الحروب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضاً ستون ألفاً من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها، كما انضم إليه أيضاً "ملك خان" أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيزخان مدينته.. وبذلك بلغ جيش جلال الدين عدداً كبيراً، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى "بلق"، وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة.. وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار!..
دارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة.. وقاتل المسلمون قتال المستميت.. فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك لها، وكان لحمية المسلمين وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية للمنطقة، وكثرة أعداد المسلمين، وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، والقيادة الميدانية لجلال الدين... كان لكل ذلك أثر واضح في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار..
واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام..
ثم أنزل الله نصره على المسلمين.. وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين!! وكثر فيهم القتل، وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيزخان، والذي كان يتمركز في "الطالقان" في شمال شرق أفغانستان..
وارتفعت معنويات المسلمين جداً.. فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتي ثماره.. لقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين، مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم شاه، مع الفرقة التركية بقيادة "سيف الدين بغراق"، مع "ملك خان" أمير هراة.. واختار المسلمون مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة.. فكان النصر..
معركة كابل
اطمأن جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيزخان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر جنكيزخان بالقلق لأول مرة، فجهز جيشاً أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقى الجيشان في مدينة "كابول" الأفغانية..
ومدينة كابول مدينة إسلامية حصينة تحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان..
ودارت موقعة كابول الكبيرة.. وكان القتال عنيفاً جداً.. أشد ضراوة من موقعة غزنة.. وثبت المسلمون، وحققوا نصراً غالياً على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار.
وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسرى المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار، ولكن سبحان الله، بدلاً من أن تكون هذه نعمة على جيش المسلمين، أصبحت هذه الغنائم نقمة شديدة وهلكة محققة!!..
قعن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله :".. فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ. وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"[1].
الاختلاف في جيش جلال الدين
لقد كانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض الدنيا العضال، إلا ما رحم الله .. لقد كانت حروبهم حروبًا مادية قومية.. حروب مصالح وأهواء.. ولم تكن في سبيل الله.. لقد كان انتصارهم مرة وثانية لحب البقاء، والرغبة في الملك، والخوف من الأسر أو القتل.. فكانت لهم جولة أو جولتان.. لكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم..
لقد وقع المسلمون في الفتنة!!..
اختلف المسلمون على تقسيم الغنيمة!!..
قام "سيف الدين بغراق" أمير الترك، وقام أمير آخر هو "ملك خان" أمير مدينة هراة.. قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم.. فحدث الاختلاف.. وارتفعت الأصوات.. ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف!!..
نعم.. ارتفعت السيوف ليتقاتل المسلمون على تقسيم الغنيمة.. وجيوش التتار ما زالت تملأ معظم مدن المسلمين!!..
وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين.. وكان ممن سقط أخ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه الثلاثون ألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته!! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، وحاول جلال الدين أن يحل المشكلة، وأسرع إلى سيف الدين بغراق يرجوه أن يعود إلى صف المسلمين؛ فالمسلمون في حاجة إلى كل جندي وإلى كل طاقة وإلى كل رأي، فوق أن هذا الانسحاب سيؤثر على معنويات المجموعة الباقية؛ لأن الفرقة التركية كانت من أمهر فرق المسلمين.. ولكن سيف الدين بغراق أصر على الانسحاب، فاستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه إليه وذكره بالجهاد، وخوفه من الله تعالى.. لكن سيف الدين بغراق لم يتذكر وانسحب فعلاً بجيشه!!
المواجهة بين جنكيز خان وجلال الدين
انكسر جيش المسلمين انكساراً هائلاً.. لقد انكسر مادياً، وكذلك انكسر معنوياً!!..
ولم يفلح المسلمون في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في غزنة وكابول..
فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بني إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"[2].
لم يدرك المسلمون في هذه الآونة حقيقة الدنيا، وأنها دار استخلاف واختبار وامتحان، وليست دار قرار وبقاء وخلود.. نسي المسلمون امتحان ربهم، ولم يستعدوا له..
نسي المسلمون التحذير النبوي الخطير.. "فاتقوا الدنيا".. فسقط المسلمون سقطة هائلة..
وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيزخان بنفسه على رأس جيوشه ليرى هذا المسلم الذي انتصر عليه مرتين.. ودب الرعب والهلع في جيش المسلمين.. فقد قلت أعدادهم وتحطمت معنوياتهم.. ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جداً.. فماذا فعل؟!
لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيزخان، أو على الأقل لتجنب الحرب في هذه الظروف..
ولكن جنكيزخان كان مصراً على اللقاء فأسرع خلف جلال الدين!!..
وبدأ جلال الدين يفعل مثلما فعل أبوه من قبل..!! لقد بدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة متوجهاً إلى الجنوب، حتى وصل إلى حدود باكستان الآن فاخترقها، ثم تعمق أكثر حتى اخترق كل باكستان ووصل إلى نهر السند، الذي يفصل في ذلك الوقت بين باكستان وبين الهند.. فأراد جلال الدين أن يعبر بجيشه نهر السند ليفر إلى الهند، مع أن علاقاته مع ملوك الهند المسلمين لم تكن على ما يرام.. ولكنه وجد ذلك أفضل من لقاء جنكيزخان !!..
وعند نهر السند فوجئ جلال الدين وجيشه بعدم وجود السفن لنقلهم عبر النهر الواسع إلى الناحية الأخرى، فطلبوا سفناً من مكان بعيد، وبينما هم ينتظرون السفن إذ طلع عليهم جيش جنكيزخان !!..
ولم يكن هناك بد من القتال، فنهر السند من خلفهم، وجنكيزخان من أمامهم، ودارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة.. حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال.. واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة.. واستحر القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان، والذي كان قد تصارع من قبل مع سيف الدين بغراق على الغنائم.. وها هو لم يظفر من الدنيا بشيء، بل ها هي الدنيا قد قتلته، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة.. ولكن شتان بين من يموت وهو ناصر للمسلمين بكل طاقته، ومن يموت وقد تسبب بصراعه في فتنة أدت إلى هزيمةٍ مُرة..
وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، ويرتب أوراقه، ويضمد جراحه، ويعد عدته.. وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جداً جاءت السفن إلى نهر السند، ولم يضيع جلال الدين الوقت في تفكير طويل، بل أخذ القرار السريع الحاسم وهو: "الهروب!!.." وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة، ومعه خاصته ومقربوه، وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية من نهر السند..
مجهود الصديق احمد بركات لتاريخ وامجاد
دائماً ما يغفل المؤرخين المسلمين دور المسلمين في اثارة المغول و دفعهم للحروب, جنكيس خان ارسل رسل لسلطان الدولة الخوارزمية بهدايا و طلب اذنه في التجارة مع بﻻده فما كان من سلطان خوارزم اﻻ ان قطع رؤسهم لأنه رأي في جانكيز خان بدوي مغولي ما له قيمة و كيف يجرؤ علي مخاطبة سلطان خوارزم العظيم !
ردحذف